لعلّها "حلوة عن جَدّ" فلين لا تعرفها، بينما حبيب يقصدها كلّ يوم ويعرف طرقاتها وزواياها شبراً شبراً. هو الخبير بأهلها كما الغرباء. هو سائق السرفيس المخضرم يقصّ للراكب في كلّ شارع قصّةً عن "أيّام العزّ" أو بطولاتٍ وحتّى مآسٍ في "أيّام الحرب". يتحسّر، يتنهّد، يتمتم "خربونا... قسمونا... بلا ما نحسّ... " يتنهّد مجدّداً ثمّ يتمتم "ماشي الحال".
يبتسم ويلتفت إلى الراكب ويسأله إذا كان هذا مروره الأوّل في هذا الجزء من المدينة، ليعدّد له الأماكن التي يجب عليه زيارتها إذا ما توقّفت فيه بيروت يوماً في هذا الشارع. فسائقوا السرفيس في بيروت مثقّفون، يتقنون ثلاث لغاتٍ، لا يعصو عليهم ولا يخبو مكان. يرسمون شوارعها بخطوطٍ متعرّجة تتغيّر وتتحوّل مع كلّ راكب وكلّ ازدحام. يزمّرون، يتذمّرون، يتشاجرون فيما بينهم، يتجمّعون على مفارق الطرقات، والمنافذ الحيويّة، يسبّبون الإزعاج للمشاة كما السائقين، يلوّثون الأجواء بأصوات زماميرهم ودخان سيّاراتهم وسجائرهم... باختصارٍ، يضجّون ويضخّون الحياة في المدينة... إنّهم حياةٌ تنبض في عروقها!