وسيارة حبيب شبّهتها لين للديوان العتيق الذي اهترت أقمشته تحت مؤخّرة جدّتها، وبالت ألوانه تحت أشعّة الشمس وتخلخلت أخشابه تحت وطأة الزمن... مثله تعبّر عن مجدٍ سابق قست عليه الأيّام وحقّرته. فقد لاحظت الفتاة، من الطريقة التي يمسك فيها حبيبٌ المقود، والفخر القديم في عينيه التي تجول بين الطريق والرصيف، عن المعزّة الخاصة التي يكنّها لقطعة الخردة هذه. على المرآة مسابح وعلى الزجاج صور قديسين وآيات قرآنية تعوّد هذا السائق أن يمرر يديه عليها، ثمّ يقبّل هذه اليد ويمرّرها على شاربه الأشيب الذي صبغته سنوات التدخين بصفارٍ باهت، كأنّه طقسٌ دينيّ تعوّد فيه أن يستنجد بقوّات السماء والأرض لتبقى السيارة سليمةً في شوارع بيروت...
وما كادت الفتاة تتعوّد على السيارة وصاحبها، وعلى جنون السير على طرقات بيروت، حتّى انتهى مشوارها أمام إحدى الأبنية التراثيّة، وأطفأ حبيب المحرّك...