كانت الغرفة تغصّ بكلّ أبناء الحيّ، أو الأحياء المجاورة، من الذين لم يستطيعوا الهرب. وكانت تضجّ بصمت الرعب والترقّب، بصرخة الدموع التي تأبى أن تنزل عن العيون، وبتمتمة صلواتٍ تعلو مع كلّ انفجار... ليَغُصَّ مصلّوها بعده. وفي الزاوية شمعةٌ تذوب منذ الليل دون أن تعرف أن النهار قد حلّ. شمعةٌ لا تعرف أنّه، وراء تلك الجدران وخلف الدخان الكثيف، تعلو شمسٌ فوق بيروت... فكان يَغُصُّ نورها مع كلّ انفجار.
كلّ هذا أثار في الفتاة خوفاً لم تستطع تفسيره، فكانت تبحث بين الوجوه عن أمها التي تأخّرت، أو عن أي شخصٍ تشاركه هذا الشعور الجديد... إلى أن رأته في إحدى زوايا الغرفة: طفلٌ في مثل عمرها، كريم، مثلُها تملَّكَه الرعب، مثلُها لا يعرف ماذا يجري،لمَ هذا الخراب والدمار؟ من أين تأتي هذه القنابل التي تفجّر طفولتهما؟ وتلك الطلقات التي تقتل أحلامهما؟ وما سبب هذا الدخان الذي يخنق فيهما حبّ الحياة؟
كلٌّ منهما قرأ وجه الآخر ليرى نفس أحاسيسه ونفس تساؤلاته. لكنّ كريم كان بالقرب من أمّه ووالده في حين أنّ لين كانت وحيدة، فلم تستطع إلّا أن تقترب لتستعير، بانتظار عودة أُمّها، لحظة حنان وأمان في ظلِّ تلك العائلة...
(يتبع)
No comments:
Post a Comment