كان كريم وعائلته جالسين في إحدى زوايا الملجأ، غارقين في الماضي، يلملمون شظايا ذكريات تركوها بين جدران بيتهم. يحاولون جمعها فلا يستطيعون لكثرة الذكريات وكثرة الشظايا. يحاولون البكاء تعجز العيون، يحاولون الكلام تسكتهم الدموع، فلا يبقى لهم إلّا التفكير... وما أصعب التفكير وأقساه! ماضيهم رأوه يُقصف ويُهدم، ومستقبلهم تهلِّل له أصوات المدافع وترحِّب به الإنفجارات فيزيد غموضُه وسوادُه عن ظلام حاضرهم المرميّ في زاوية ملجأ حقير... في حربٍ حقيرة!
بينما كان يفكّر ويجول نَظَرُه في أرجاء الغرفة، وقعت عينا الولد على بنتٍ وحيدة، لين، فغرقتا في قلق عينيها وحزن وجهها: وجهٌ جميلٌ رسمت عليه الحرب يأساً أكبر منه فشوّهت فيه ملامح الطفولة. عند رؤيتها تبخّرت همومه وهان عذابه؛ فَقَدَ بيته لكنّه، على الأقلّ، مع أهله يتمسّك بهم مع كلّ انفجار، بينما كانت الفتاة ترتجف مع كلّ طلقةٍ ناريّة وتلتفت إلى الباب عند سماع أيّ صوت... هل تنتظر أحداً؟ من تنتظر؟ أهلَها؟ وأيُّ أهلٍ يتركون طفلتهم وحيدةً والقصف في أوجّه؟ هل ماتوا؟ أيمكن أن تكون يتيمة؟ لمَ إذاً تنظر الى الباب؟... وسط تساؤلاته الكثيرة رأى لين تقترب منه، تبتسم له بسمةً خجولةً حزينة، وتجلس قربه دون أن تتكلّم...
No comments:
Post a Comment